لماذا "ولد الهبلة يعيش أكثر؟" هذا المثل المصري كان يدفعني للتساؤل قبل أن أبتعث لدراسة الدكتوراه في امريكا لماذا أطفال الأمهات المهملات أقوى شخصية و أذكى إجتماعيا من أطفال الأمهات الذين يحمون أبنائهم بشكل مبالغ فيه والذين يهتمون بالجانب المعرفي أكثر من أي جانب نموي آخر في الطفل. وعندما عشت في امريكا واضطر أطفالي للعب بالخارج مع الأطفال من مختلف الثقافات بحديقة الألعاب المقابلة لمنزلي وداخل الكومينتي بدون مراقبتي الدائمة لهم! فعرفت السبب!
لنعترف أننا بالكويت وكحال الكثير من آباء الجيل الجديد نعاني من مرض"الحماية الزائدة" فنخاف على أطفالنا لدرجة أننا لا نعطيهم فرصة لمواجهة العالم الحقيقي بانفسهم. ونعاني من مرض "المثالية" فلا نريد أن يصفنا أحدهم بالأم المهملة أو الأب المهمل الذي يترك طفله وحده بالخارج دون وجود رقيب. ومن هو الرقيب بالكويت أنها الخادمة !!
أنا لا أدعوكم لترك أبناءكم في منطقة مجهولة وتعريضهم لضعاف النفوس، ولكن أدعو باعطائهم مزيد من الحرية ليمارسوا اللعب الحر بالخارج في مكان آمن وحولهم أطفال من جميع الأعمار.وأن نساهم كمجتمع و "فريج" بتكوين قروبات بين الأطفال وأماكن خاصة لهم للعب فيه. وزيادة وقت "الفرصة" بالمدرسة ليمارسوا اللعب بحرية.
أثبت الدراسات أن اللعب بالخارج و اللعب الحر له تأثير إيجابي على النمو العاطفي والأجتماعي للأطفال، لأنه يعلمهم الثقة بالنفس ومهارات تكوين الصداقات ويعطيهم شعور بالسعادة، و يساهم في بناء الكثير من المهارات كاتخاذ القرار و حل المشكلات والتحكم بالنفس. ولكن بعض التربويون في وزارة التربية مازال يرى أن اللعب نوع من الرفاهية في المدرسة، ويرون أن "الفرصة" التي لا تكاد تكفي للأكل والذهاب للحمام، أيضاً نوع من الرفاهية. فالتوجه بتقليل وقت" الفرصة" في المدارس توجه يعاني منه الأطفال وسبب توتر وإحباط نفسي للطفل كما أشارت الدراسات الحديثة.وهناك توجه تربوي آخر حديث لزيادة الدراسة الأكاديمية من بداية مرحلة رياض الأطفال. فالطفل الأن يقضي معظم وقته بالمدرسة، وبعدها يقضي ساعات بكتابة الواجبات، وفي وقت فراغه يلعب بأجهزة التكنولوجيا من أيباد وأيبود وغيرها، وفي العطل يخرج للتسوق في المجمعات برفقة والديه. كم من الوقت يقضيه الطفل باللعب الحر في الخارج!
فيا جيل الأمهات والأباء الجدد، أعلم بحسن نيتكم وخوفكم على أبناءكم ولكن لا تجعلوا هذا الخوف وتركيزكم على النمو المعرفي والأكاديمي وما يظنه الآخرون بكم، يحرم أبناءكم من فرصة عيش مرحلتهم العمرية الطفولية بجمالها. فما يتعلمونه من مهارات اجتماعية وعاطفية في هذا العمر سيظل معهم طوال عمرهم، على عكس ما يتعلمونه من معرفة تركز على الحفظ في مدارسنا التي سينسونها بعد أيام من الإختبار. فوقت اللعب مهم وقد يكون أهم من تكرار معلومة لحفظها للدراسة! فاعطوهم الفرصة ليلعبوا بشكل حر وبدون توجيه وقيود منكم وبمكان آمن. لا أدعوكم لتهملوا أبناءكم ولكن أدعوكم لتركهم يعيشوا مرحلتهم العمرية ويتعلموا من الحياة. فولد الهبلة يعيش أكثر لأن الحياة صقلته بمهاراتها وأعتمد على نفسه أكثر فلم يكن كبيضة سهلة الكسر كما نحن نسعى بحمايتنا الزائدة لأبناءنا. فنحن نتعلم من الخطأ أكثر مما نتعلم من الصواب. ولا أحد يستطيع أن ينكر أن "طراقات" الحياة تعلمنا مالم نتعلمه في المدرسة وداخل بيوتنا! وكما يقول الدكتور ابراهيم الخليفي ويردد، فعلينا كوالدين أن ندوس على قلبنا "ببسطار" لكي نستطيع أن نتخذ مثل هذا القرار ونتركهم يواجهوا الواقع والحياة ويلعبوا وينطلقوا بشكل حر بدون إشراف مستمر منا ومن خدمنا.
ليلى الخياط
